.. مذ أول وهلة تقع أبصاري على استهلالية عنوان عبقرية يدوّي صرخة أنثى يختلجها الظلام في محبسها وترتطم براثن حريتها بجدران أسر غاصب بعدما ثلمت أظفارها تتحسس طريقها صوب الضوء؛ (أتراني اطيرُ في الفضاء؟).. مناجاة تطلقها تلك المتمردة الموجودة في كل زمان ومكان من هذا الفضاء الكوني أو بالأحرى العالم الأسود وهو ((أسلوب إنشائي)) يحمل مدلولا قاطعاً لا يحتمل الصدق أو الكذب.. حتى في قولها ((أليس هذا المستدير الفضي قمراً؟!)).. هو اسلوب استجدائي Soliciting للتشويق للقراء ولإطنابنا بمقدمة تأخذنا للذة النص والإبحار في أغوار النفس او الذات الساردة Protagonist.. تأخذنا لحقيقة أكثر واقعية من الواقع.. ويكأنها تحاول الانعتاق وتحاول كشف عورة العالم الذكوري ولسان حالها يقول (لابد أن نهزم العالم).. تماما مثلما عهدناه من منطق جان بودريار الفيلسوف الفرنسي.. أو عندما نستلهم شخصية إدمند دانتس في زنزان (شاتو ديف) للكونت كريستو رائعة ألكسندر دوماس وهو يختتم كلمات مقطوعته ( L’attende et l’espoir) .. الانتظار والأمل هما مناص تلك الحبيسة وطريدة الهذيان في حفرتها أو (ترويض النمرة) الشكسبيرية كأنموذج يرفض الخضوع liberty VS Submissiveness كالتنتشلها شمس بين العتمة ثم يسود هدوء كذوب (واهم).. هي تدرك تماماً بأنها أنثى مكتملة الأنثى وفريسة لأهواء سيدها الذي ينطرها بالخارج ثم يجذبها ليلهو بها وقتما يشاء.. لقد ارتأت روحها انسلت Reincarnation لجسد قطة مغناج مستأنسة في عين صاحبها وتارةً أخرى ضفدع يتقافز وأخرى نملة.. وما أدراك ما الإعجاز الإلهي في النملة التي تبني حضارات وتفعل كل شيء لإرضاء الذكر.. (يطلق سراحي حين يشتهي المتعة) وكانها ثيمة تمرد معتقة بالانعتاق Theme of Mutiny & Emancipation .. لقد آثرت أن تطلق العنان لكيدها وتشمر عن مخالبها لتطبع على وحشها الآدمي علامة كأنها تصمه بالضعف وراد لهاثه الشهواني.. فهو في نهاية المطاف لن يقض منها وطراً ولكنه يستعبدها لتسليته وحب الامتلاك والاستحواذ.. لكنها رفضت الاستعمار والقهر والأسر
A plea Against brutal Subjugation
لكنها ما لبثت تتنسم حريتها حتى تدفع الثمن في النهاية، ضريبة الحرية والتمرد واللاءات في مواجهة الهيمنة الذكورية؛ لتكون صريعة مسجية على قارعة الطرقات.. نهاية مأساوية بل فاجعة traumatic Finale وكأنه تلك الأنثى كان لزاما عليها الصمت وان تدمن الأغلال والظلام وحرامٌ عليها أن ترى الشمس يوماً ما.
أتفق مع القاصة الرائعة في حقها بأن تطلق استغاثة بنصها النسوي الذي ينتصرُ للمرأة المكبلة قسراً تحت وطأة سجانها من الذكور أشباه الرجال، وذاك النمط الماسوشي لا يستحق أن يعيش في هذا العالم فهو مجرد من الإنسانية بل الحيوانية أيضا.. أراها وقفة لتتريث المرأة قبل اختيارها ولابد ألا تنظر في العموم إلى الذكران من منطلق الوحشية والغرائزية والاستحالة العاطفية، الحقيقة هي أن لكل متمرِّدة من يصلحها ويهديها إلى طريق الصواب بقوة تجعل من الأرض البوار زهوراً للحرية.. ألا وهي الحب.
نص ماتع يمتاز بوضوح الحبكة وتصاعد الأحداث وتبئير الصراع وبراعة اللغة وإيجازها.. مكتملة الأركان بامتياز.
🔖النص
متمردة..
ضوءٌ حاد، يتغلغل بين خلايا جفنيّ، لا أعلم من أين يأتي!! يخزني ويؤلمني، إلى أن أيقظني لأتفاجأ بهذا المكان!
متى وصلت إليه؟؟
أو بالأحرى كيف وصلت إلى هنا؟
لا أستطيع أن أصف ماحولي؟
فراغ معتم، وبصيص الضوء هذا يزيد من اعتام رؤيتي.
أتراني أطير في الفضاء!!
حتمًا لا!! فما زالت أتلمس الأرض، ضربتها ثلاثاً لأتأكد،
ثم مددت ذراعيّ أمامي، إنهما ليسا جناحين!
وأثناء ذلك بدأت أدور في دائرةٍ قطرها عرض قدميّ،
أدور وأدور، حتى فقدت توازني وسقطت.
لم يكن القمر قريبًا لأتشبث به، رغم أنه قد بدا ليّ يحاول تقديم المساعدة، أليس ذلك المستدير الفضي قمراً؟؟
ما هذا الهذيان؟!
نفضت وجهي، علّي أخرج من هذا الوهم، لكني لم أشعر بنعومة كفيّ، بل شيءٌ حاد فيهما قد خدشني.
آه يا الله، ماذا يحدث؟!
اتكأت على ركن لم يريحني ضيق زواياه، محاولةً استجماع ذاكرتي، علّي أجد حلًا لما أنا فيه.
بعد أن زفرت عدة مرات، بدأت استرجع شيئًا من….. لا أستطيع قول ذاكرتي، فهي بعضُ صور لا أزال استصعب جمعها كاملة.
أهم ما تكرر فيها طلة أربعيني شرقي النظرة، غربي الملامح.
عصا، دخان، عتمة، وضجيج،ثم ..ضوء!!
ضوء يسطع مرة أخرى ليربكني، أحاول جاهدة حماية عيني، لكن شيئًا ما في كفيّ يخزني، ما هذا اليوم الأسود الذي أضيع فيه!
مي عبدالحميد
السودان
الكاتب أحمد بيضون