من المجموعة القصصية(أنثى ولكن) للكاتبة أميرة عبد العظيم

شِق الإبرة

يشعل سيجارته ويخرج إلى الشرفة يترقب المارة في الطريق، ثم يلقي نظرة حذرة على زوجته – وهى تجلس أمام ماكينة الخياطة- من تلك الفتحة الضيقة بين ضلفتي الشيش، كي لا تلحظه
عجلة ماكينة الخياطة لا تتوقف ليل نهار ..
حوار صامت تتوارى كلماته خلف آلام تفيض بكسر الخاطر وقلة الحيلة..
أجد نفسي واقفًا عاجزًا أمام مصاعب الحياة، كأنني أطارد الريح دون أن أقبض عليها، ضعفت قوتى وانعدمت حيلتي، وكأن الدنيا مغرمةٌ بإلقاء أثقالها على كاهلي دون رحمة، كلما سعيت للخروج من الضيق، وجدت الأبواب موصدة أمامي، أشعر وكأنني أغرق في بحر من الهموم، دون أن أجد يداً تنتشلني!
أحاول جاهداً أن أصنع الحلول، وتأبى الحياة إلا أن تهزمني، أقف أمام مشاكلي مثل شجرة جافة، بلا ثمر ولا ظل!
كما لو كنت في صحراء جرداء، أبحث عن قطرة ماء تسقيني والصحراء تأبى أن تفتح لي بئرًا من آبارها، أستجديها دون جدوى!
لم يبقَ لي سوى الصبر والدعاء، بعد أن خانتني كل الحيل، فأنا كمن يركض في دائرة مغلقة، لا خروج منها ولا راحة فيها.
لماذا لم أستطع تحمل المسؤولية كاملة؟
لماذا هي من تضطر للعمل ليل نهار على ماكينة الخياطة؟
أليست هي بحاجة إلى الراحة مثل الجميع؟
كيف أستطيع أن أراها تتعب كل يوم وتكافح، بينما أنا هنا عاجز عن تقديم الدعم الكافي؟
هل كنت مفرّطًا في تقصيري أم أن الحياة آلت على نفسها أن فقط تضعنا هكذا؟

أين ذهبت الوعود التي قطعتها لها؟
كيف تساندني وتظل تدير كل شيء، بينما أنا لا أستطيع مساعدتها بما يكفي؟
ليت بمقدوري أن أجد طريقة لأخفف عنها هذا العبء، ليتني أستطيع أن أستيقظ ذات يوم وأجدها مرتاحة، بعيدًا عن كل هذه الأعباء

هل سيظل هذا العجز يعانقي ويحول بيني وبين نسيم عليل يعبأ بجسدي النحيل، ويعيد الحياة إليه من جديد ؟

أن أكون أنا من يجلب المال، وهي يكفيها أن تدير شؤون البيت!

أشعر بالذنب كلما رأيتها منهكة، ولا أستطيع تغيير هذا الوضع،
تجلس على ماكينة الخياطة، وأصابعها تتنقل بين الخيوط بإتقان، لكن القلق لا يفارق ملامح وجهها
المضيئ، تُحاول أن تُلملم شتات فكرها، تناديني من بعيد

  • أبو يوسف
    يبدو أنها في حاجة إلى شيء فجأة، وبهدوء وصوت مجهد تكمل جملتها
  • أبو يوسف، ممكن تيجي تلضم الإبرة؟

لم يكن طلبها مجرد طلب عادي، بل كان يحمل معه شيئًا آخر، كان يحمل بارقة أمل ونذير ببشرى النسبم العليل..
شعرت في تلك اللحظة بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، وكيف لا؟
دقائق معدودة وكنت ألوم نفسي، وقلبي يحمل لها حبًا كبيرًا، يجب أن أكون هنا بجانبها وأساندها.
اقتربت منها بخطوات هادئة، رَبت على كتفيها مبتسمًا

  • مفيش حاجة تستحق القلق، إحنا مع بعض دايمًا
    وبأيدٍ ثابتة، بدأت أجلس مكانها على ماكينة الخياطة، كما لو كانت تنتظر هذه اللحظة، ويحتاج إليها قلبها، فسكن واطمئن.

الكاتبة أميرة عبد العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *