إنّ مفهومَ الثقافة يشيرُ إلى كل مايصدُر عن الإنسان من إبداعٍ او إنجازٍ فكري او ادبي او فنّي او علمي”.
ويرى البعض “إنها حصيلةُ النشاط الاجتماعي في مجتمع واساليب الحياة والسلوك وأنماط القِيَم السائدة فيه”.
ومعلوم إنه توجَد سمات مشتركة بين جميع العرب
من معتقدات وشعائر دينية،ولُغة تواصل ،وعادات
وتقاليد ، وحاضر مشترك،وطموح إلى نوع مشترك من المستقبل،وهي سماتٌ تسمح بالحُكم
بوجود ثقافة عربية واحدة ،بالرغم من تفاوت العلاقة بالموروث قُرباً او بُعداً.
وفى مقالةٍ كتبها (د.طه حسين)فى مجلة” السياسة”
أواخر عشرينيات القرن الماضى ، قال فيها : “إذا
استقامت الثقافة استقامت الحضارة ، وإذا انحرفت
الثقافة عن طريقها المعقول، انحرفت معها الحضارة أيضاً، ..وعلى هذا النحو تستطيع أن تقيس حضارةَ الشعبِ بثقافته، كما تستطيع أن تقيس ثقافة شعب بحضارته”.
كما افتتح (د.عز الدين نجيب)كتابه:”الثقافة والثورة
بسؤال مهم، وهو: هل الثقافة ضرورة للشعب ؟ أم ترَف يستطيع أن يعيش بدونه ، لو تحقّقت لأبنائه العدالة الاجتماعية والحرية السياسية ، اللتين جعلتهما ثورة يناير على رأس أهدافها ؟وقال:إنه لا يمكن الاختيار بين هذين الهدفين وبين الثقافة، وذلك أن كلا منهما يكمّل الآخر ، حيث أن افتقاد العدالة والحرية السياسية مرتبط بدرجة الوعى المقاوم للظلم والاستبداد وبقوة إرادة التغيير، وامتلاك هذا الوعى إلا بالثقافة،كما أن التعبير لا يتم إلا بطلائع مثقفة ، حيث أن الوعى هو ابن الثقافة، والواقع هو أبو هذا الوعى ، والواقع يحتوى على ثقافة تحتية كشكل المجتمع ووجدانه ، وقد تكون هذه الثقافة رافداً لوعى ثورى.
إن أهمية الثقافة لاتقتصر على بناء الوعى السياسى والحقوقى للمواطن ، فقد تشاركه فى تلك المهمة هيئات سياسية أو منظمات حقوقية ، أوصحافة وإعلام مستقل ، وإنما هناك مالا يمكن لغير الثقافة القيام به ، وهو بناء الإنسان ذاته ، باشباع وجدانه
عبر الإرتقاء بحواسه العليا ، لتذوّق الفنون والآداب وثمار الخبرة الإنسانية، واستكشاف مواهبه الخلّاقة
كمبدع للفن أو الأدب أو الفكر . وهذه الثقافة هى ثقافة وطنية تهدف إلى بناء وعى الإنسان ووجدانه، وهى تضرب بجذورها فى تربة الهوية المصرية من ناحية ، وتنفتح على العالم الخارجى بكل روافده العصرية.
وقد طالب (نجيب) بإسقاط الخطاب الثقافي القديم
وإحلال خطاب جديد يليق بالمتغيرات ، أى إسقاط ثقافة الخضوع والخوف والتعايش مع السلطة ، وثقافة التواكل واللامبالاة والسلبية وثقافة التعصّب بثقافة أخرى مغايرة وناقدة ومحفّزة على التغيير ، تمثّل الضمير الجمعى العام. ثقافة مقاومة الفساد والاستبداد ، فالثقافة نتاج لخبرة الشعوب وانعكاس لهويتها وخصوصيتها ، فهى التى تصنع الوجدان القومى ، وتخلق مواطناً مبدعاً فى كافة المجالات”.
ورئيس فرنسا الدولة المشهودُ بنهضتها الثقافية الكُبرى يجهرُ بالشكوى أمام مؤتمر”هانوي الفرانكفوني”قائلاً:”يجب إلّا يُستسقَى من نبع ثقافي
وحيد،وينبغي إن نحترم الخصائص الثقافية لكل أمّة”.
وهذا في حدّ ذاته يُثري ثقافة كل امة حريصة على
صُنعِ مستقبلها على افضل مايكون.
ونحن قلقون بشانِ مستقبل ثقافتنا،وقلقُنا له اكثر من مُبرّر..واكثر ما يقلقنا هو تأثيرُ ثقافة الغير في ثقافتنا برغم مافي ذلك من بعض إيجابيات تضيف
إلي ثقافتنا بعض الثغرات المعرفي،لكن هناك اسباب تجعلنا في غاية القلق من الانفتاح الكامل على تلك الثقافات الخارجية ،من هذه الاسباب:
_إنَّ هناك الآن ثقافة عالمية عاتية تحاول تجاوز المراحل،واختزال الزمان والمكان،لتجعل من العالَم
قبيلة واحدة،تتكلّم بلُغةٍ واحدة،وتحاول إن تصهرَ
القِيَم والأعراف في بوتقةٍ واحدة.. ثقافة عالمية تملك من الإرادة والتخطيط والوسائل ،وتتقمّص الشرعيّة الإنسانية ،في الوقت الذي نعجز نحنُ فيه عن اقتراح مشروع ثقافي حضاري شامل يحوز إجماع العرب ويوحّدهم امام تلك التحديات.
_ عُقم الجامعات والمراكز العلمية ،فلا إنتاج ولاإسهام في اختراع ،وهذا مُثبَت في دراسة أعدّها
بعضُ الخبرات ،جاء فيها:”إنه في كل سنة يُعَدّ حوالَي خليوي بحث علمي،وتُطبَع مائةُ الف مطبوعة علمية،نسبةُ إسهام المسلمين جميعاً فيها ٣٠٪ ،فكم ستكون نسبةُ إسهامِ العرب في تلك
النسبة ؟”.
_ضحالةُ الإنتاجِ الفكري في مجال الفلسفة والعلوم
الإنسانية ،وهي ضحالةٌ لم تستثنِ الآداب شِعراً ونثراً والفنون والعمرة.
_الفقرُ المُدقع في اكثر البلاد العربية في وسائل الثقافة.
كل تلك الاسباب تجعلنا في مازقٍ من عدم المواكبة
بل في إيجاد فراغات وهشاشة تسمح،وتُمكّن بغزو الآخَر لنا.
Elking, [30.01.2024 20:37]
علينا إذن إن ننهض سريعاً قبل فوات الأوان،لأنّ أمةٌ هذا حاضرها،فكيف يكون مستقبلها ؟
لابُدّ من إيجاد رؤية واضحة للمستقبل وتخطيط
يجعلنا ملتزمين بتراثٍ لابدّ منه ، وتجديد لافكاك
منه..هذا التوازن يحفظ لنا هويتنا من جهة،ويضعنا
علي طريق المستقبل دون ان نتخلّف عن العالم.
نريدُ تجديداّ خلّاقاً ،ينطلق من القوى المعنوية والتاريخية عبرَ معادلات ومرتكزات جديدة تُنشئُ
هذا الفكرَ الخلّاق الذي يستوعب ويضيف متجاوزاً الاستجابة َ والتكيُّف إلى الاحتراف والإبداع،والأخذ والعطاء،والشراكة الحضارية والندِّيّة.
الكاتب و الناقد حامد حبيب