نبحث عن الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام في كل العواصم العربية والدولية. نحن ندرك أن جزءًا من هذا الانقسام يتم تغذيته من قبل بعض الأطراف. قبل أن نبحث عن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بين فصائلنا، وليس بين شعبنا، الذي هو موحد. يجب أن يكون هناك استعداد داخلي، استعداد الذات لتحقيق هذه المصالحة. على الرغم من أهمية الأمكنة وما لها من وزن ودور عربي وإقليمي ودولي، فإن هذه العواصم لن تصنع لنا المعجزات ولن تجترح لنا حلولًا، ما دمنا نحن ذاتيًا غير مستعدين لهذه المصالحة.
ما دام العنوان المركزي للمصالحة ليس المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، بل يسعى كل طرف لأن يكون متسيدًا، وأن يكون هو العنوان، والبرنامج، والمقرر، دون توافق وطني جامع على برنامج قواسم مشتركة تعبر عن إرادة هذا الشعب، وتحمي وتصون ثوابته الوطنية، وتبتعد عن الأوهام والتحليق في الفضاء، فإن كل العواصم التي تجري فيها الحوارات لن تنجح في فك العقدة الفلسطينية إذا لم يكن لدينا الاستعداد الذاتي والإرادة والقرار.
حرروا ذاتكم من ذاتكم، حرروا أنفسكم من اعتبارات الجغرافيا وديكتاتوريتها، حرروا أنفسكم من الارتهان إلى أوهام ثبت عقمها في الواقع. حرروا أنفسكم من برامج لن تقود إلى إحقاق حقوق شعبنا الفلسطيني. الأولوية لشعبكم وليس الارتهان إلى مجتمع دولي يتفرج على إبادة شعبكم، بل ويحمل المسؤولية للضحية وليس للقاتل. حرروا أنفسكم من استخدام نفس الأدوات، فهي لن تقود إلى نتائج مغايرة.
ما يرتكب بحق الوطن والشعب الفلسطيني من جرائم وإبادة جماعية وما يخطط له من مشاريع تصفية تطال كل ساحته، يجب أن يكون ناقوس خطر لكم جميعًا، بأن الوقت من دم، ولا مجال للمماطلة والتسويف والسياسة الانتظارية القاتلة. استمرار المراوحة في المكان و”اجترار” نفس العبارات والأسطوانة المشروخة لن ينهي انقسامًا ولن يقود لوحدة وطنية.
تصويت برلمان الاحتلال “الكنيست” بالأمس، الأربعاء 18/7/2024، برفض إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، بأغلبية 68 صوتًا مقابل 9 أصوات، وقول زعيم ما يسمى بحزب “أمل جديد”، جدعون ساغر، رفض إقامة دولة فلسطينية في “قلب أرض إسرائيل”، لأنها تشكل خطرًا على أمن ومستقبل ووجود دولة “إسرائيل”، هي وقاحة غير مسبوقة. وكذلك قوله هي رسالة لأمريكا ولرئيسها بأن “إسرائيل” لن توافق على “الابتزاز” من المجتمع الدولي بفرض إقامة الدولة الفلسطينية. هذا تحدٍ وقح لكل قرارات الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، في ظل حماية قانونية وسياسية أمريكية وأوروبية غربية لهذا الاحتلال.
وأيضًا الاقتحام الخامس لبن غفير للمسجد الأقصى منذ توليه منصب وزير ما يعرف بالأمن القومي، وقوله بأنه جاء للصلاة في أقدس مكان لـ”الشعب” اليهودي من أجل إطلاق سراح الأسرى، الذي يرفض أي صفقة تبادل من أجل استعادتهم. هذا الاقتحام يؤكد أن بن غفير وحكومته ماضون في تهويد الضفة الغربية والقدس والأقصى، وفرض السيادة عليه، والعبور به من زمنه الإسلامي إلى زمنه اليهودي. ولم يعد هناك مكان إسلامي مقدس.
الوحدة وإنهاء الانقسام لا يجب البحث عنهما لا في موسكو ولا في بكين، ولا في أي عاصمة أخرى. مع تقديرنا لدور موسكو وبكين وغيرهما من العواصم الشريفة في الحرص على وحدة قوانا وفصائلنا السياسية وإنهاء انقسامها البغيض. الوحدة، في ظل أخطر مرحلة يواجهها شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية، من خلال الحرب الشاملة ومشاريع الضم والتهويد والاستيطان والطرد والتهجير، هي مطلب كل فلسطيني وطني حر شريف. القيادة التي لا تتوحد في مثل هذه المرحلة، ستكون مسؤولة أمام شعبنا عن كل ما سيلحق به من أذى وضرر وشطب لقضيته وحقوقه الوطنية.
مرحلة الرهانات الخاسرة والوقوف في خانات وجهات ليست صحيحة يجب مغادرتها بشكل سريع، فالمرحلة لم تعد تحتمل أي شيء من هذا القبيل. يجب علينا أن لا نستمر في الدوران في الحلقة المفرغة، فيكفينا دوران استنزف منا من الجهود والطاقات الكثير. علينا عدم الإصرار على أن الذات الشخصية والفئوية فوق الذات العامة والوطنية. نحن في مرحلة بات فيها الكل الفلسطيني مستهدفًا، مقاومًا ومنسقًا ومسالمًا.
قادة دولة الاحتلال من وجهة نظرهم، أن الكل الفلسطيني عدو لهم، وأن كل أبناء الشعب الفلسطيني هم مشروع “إرهابيين” حتى يثبت العكس. نريد إنهاء الانقسام البغيض الذي مخاطره توازي مخاطر الاحتلال. نحن ندرك أن هناك قوى شد وجذب للخلف تريد أن تفشل أي حوار وطني يقود إلى إنهاء الانقسام. هناك من هم منتفعون من استمرار هذا الانقسام، بما حققوه من مكاسب ومكانة سياسية واقتصادية واجتماعية، وشبكة واسعة من العلاقات العربية والإقليمية والدولية. لذلك، هؤلاء سيستميتون في الدفاع عن استمرار هذا الانقسام، وسيضعون العصي في الدواليب، وسيستخدمون نفوذهم وعلاقاتهم، لكي يمنعوا ويعيقوا وصول الحوار إلى “قبر” هذا الانقسام البغيض الذي يتجه نحو الانفصال النهائي.
لا شك أنه بعد معركة السابع من أكتوبر 2023، خلقت معادلات جديدة ووقائع جديدة في أرض الواقع. هذه الوقائع عبرت عن حالة فرز واضحة مع شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا، ومن هو متواطئ ومشارك في العدوان على شعبنا من دول النظام الرسمي العربي. وكذلك هذا الفرز على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لذلك، علينا أن نفتح قرارنا وخيارنا الفلسطيني على أرحب فضاء عربي وإسلامي وإقليمي ودولي. عندما وافق البعض على وضع كل البيض الفلسطيني في سلة ومظلة الخيار التفاوضي، وجدنا أن هذا الخيار قد قاد إلى المزيد من النزف الداخلي، وتقسيم الأرض والشعب والمؤسسات، ناهيك عن تضاعف الاستيطان بعشرات المرات، وزيادة الحواجز والبوابات على مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية. بحيث بتنا أسرى في سجون أوسع من المسالخ التي يتعرض فيها أسرانا إلى أبشع أنواع القمع والتنكيل والتعذيب.
لا تخذلوا شعبنا، فيكفيه خذلان أوسلو، الذي تداعياته وكوارثه تتفوق على كارثة النكبة. وما زال البعض يتغنى به كمنجز وطني. هي لحظة فارقة في التاريخ الوطني الفلسطيني، تتطلب أعلى درجات المسؤولية لكي يشعر الشعب بأن هناك قيادة بحجم تضحياته ونضالاته وصبره وصموده. فلا تخذلوا شعبنا، فلا تخذلوا شعبنا، فالخذلان سيكون له نتائج وخيمة على قضيتنا وشعبنا، وعلى حقوقنا وكل مظاهر وجودنا.
الكاتب الصحفي راسم عبيدات