البيان الذي صدر امس الأربعاء عن لقاء رؤوساء الطوائف الروحية اللبنانية في لقائها في بكركي،جاء ليؤكد على نداء “عين التينة” الثلاثي الذي صدر عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي،ووليد جبنلاط ،زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي ، هذا البيان نال دعم حزب الله والتيار الوطني الحر بقيادة باسيل جبران،أي أن معظم اللبنانيين توحدوا خلف أن تكون الأولوية لوقف إطلاق النار،ومن ثم يجري البحث في طرق وأليات تطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس لبناني،ولم يشذ عن هذا الإجماع،إلا حلفاء أمريكا وإسرائيل من “الجعجعية” والقواتية”،والذين يخضعون موقفهم وقرارهم السياسي للشروط والإملاءات الأمرو إسرائيلية.
غالانت وزير الحرب الإسرائيلي يقول بأنه لن يكون هناك مفاوضات بعد وقف إطلاق النار،بل المفاوضات ستكون تحت النار،وبالتالي أمريكا وإسرائيل يريدون أن يعودوا بلبنان الى عام 1982،عندما وصلت القوات الإسرائيلية الى قلب العاصمة بيروت وجاءت القوات الأمريكية وفرضوا على لبنان رئيساً تحت النار ،المغدور بشير جميل،ولكن ترتيبات واتفاق ال 17 من ايار لم تصمد اكثر من عام،حيث قتل الجميل وانهارات كل الترتيبات الإسرائيلية – الأمريكية….اليوم التحولات والتغيرات في لبنان،هي ليست في صالح لا امريكا ولا اسرائيل،وهناك قوة نارية موازية لا يتردد الحزب والمقاومة في استخدامها ،دفاعا عن وحدة اراضي لبنان وسيادته وسلامة مواطنيه …ما يقوله غالانت يؤكد بان الإستهداف في لبنان ،أبعد من ان يكون مكاسب وترتيبات حدودية،بل هي اثمان سياسية وأمنية..تقتطع جزء من اراضي لبنان لصالح المحتل،فالمخطط يراد منه ليس فقط إقامة شريط أمني،بل المطلوب نشر قوات متعددة الجنسية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة،يكون لها حق الملاحقة والردع والمطاردة والتفتيش،ويضاف الى ذلك عدم تواجد حزب الله عند الحدود،بل ينسحب الى مسافة 22 كم شمال نهر الليطاني،ويجري كذلك تفعيل القرار 1559،بحيث يتم نشر قوات متعددة الجنسية على الحدود السورية اللبنانية.
حزب الله اللبناني كان يدرك بأن استهدافه سيكون مباشرة بعد الإجهاز على جبهة المقاومة في قطاع غزة،وأن إسرائيل لا تريد التساكن مع خصم قوى يمتلك قدرات عسكرية وتسليحية ،تشكل ضامن لأمن لبنان،وتفتح الطريق نحو حماية الأمن القومي العربي ،ولذلك الرؤيا الثاقبة عند الحزب،وبالذات امينه العام السيد نصر الله الذي جرى اغتياله في الضاحية الجنوبية بواسطة الطائرات الأمريكية “اف 35” والمساعدة والمشاركة التكنولوجية والأمنية والإستخبارية الأمريكية،واستخدام القنابل الأمريكية زنة 900 كليوغرام الخارقة للتحصينات والخرسنات المسلحة،والتنفيذ كان اسرائيلياً.
من هذا المنطلق بادر الحزب في اليوم الثاني لمعركة السابع من أكتوبر/2023 الى المشاركة الإسنادية لجبهة قطاع غزة،ولكن بعد ان أقدمت حكومة الاحتلال على توسيع دائرة عدوانها على لبنان ،لتصل الى العاصمة بيروت ومناطق واسعة من لبنان،والقيام بأوسع عمليات القتل والتدمير والتهجير ،بحق المواطنين اللبنانيين من بيئة المقاومة ومن خارجها،وسبق ذلك شن حرب على بنية وبيئة الحزب ،حيث سعت إسرائيل من خلال الثلاثية الصامتة ،تفخيخ أجهزة النداء والإشارة والإغتيالات الواسعة بحق القيادات الأمنية والعسكرية لحزب الله،وتنفيذ غارات جوية غير مسبوقة بحق بنية وبيئة حزب الله ،وصولاً الى اغتيال امين عام الحزب السيد نصر الله،والهدف هنا واضح دفع حزب الله الى الإنهيار والتفكك،وتدمير منظومة القيادة والإتصال والتحكم والتواصل مع القادة الميدانيين،لكي يكون فراغ سياسي وعسكري داخل الحزب،وبالتالي يصبح عسكرياً بدون بوصلة وقيادة ،وسياساً يتقلص وجوده الى اقصى حد في مؤسسات الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني ،ولكن هذا الحزب استطاع ان يرمم أوضاعه الداخلية والتنظيمية في زمن قياسي،وقال نائب امينه العام الشيخ نعيم القاسم،بأنه لا توجد مراكز شاغرة في مراكز حزب الله ،وبالتالي لملم الحزب جراحه ونهض ،وبقيت منظومة القيادة والتحكم والإتصال تعمل بشكل فعال،رغم ان هذه الضربة الكبيرة والواسعة والمؤلمة كفيلة بإسقاط دول كبرى،ولكن وجدنا بأن هذا الحزب وجه ضربات نوعية لجيش الاحتلال ،ضربات طالت بالمسيرات قاعدة لواء جولاني في قاعدة “بنيامينا” جنوب شرق حيفا،مخلفة 4 جنود قتلى و 67 جريح،حسب الإعتراف الإسرائيلي،وأعقب ذلك،سقوط صواريخ باليستية على منطقة تل ابيب ومحيطها .
إسرائيل دخلت في مأزق ومستنقع لبنان،وحسب قادة الوية سابقين متقاعدين اسحق بريك ويسرائيل زيف وغيرهم، فإن حزب الله حقق إنجازات،وهو قادر على التصعيد وعلى قلب المعادلة،وهو يجر إسرائيل الى حرب استنزاف طويلة،تقودها نحو ضعف وفشل استراتيجي …ولم تخرج إسرائيل من صدمة عمليات قاعدة ” بنيامينا” وقصف تل ابيب، حتى جاء كمين مثلث راميا- عيتا الشعب القوزح.حيث ادخل مقاتلوا الحزب
سرية إسرائيلية كاملة في كمين،جرى من خلاله الإشتباك مع تلك القوة من نقطة الصفر واستهدافهم بالصواريخ المناسبة، ولتنقل عشرة مروحيات جنود وضباط الاحتلال القتلى والجرحى الى المشافي الإسرائيلية،مخلفة سبعة جنود قتلى وأكثر من 47 جريحا حسب الإعتراف الأسرائيلي …الحزب كثف قصفه لحيفا والجولان والجليل الغربي والأسفل ومستوطنات الشمال وعكا وطبريا وكريات شمونه وصفد ونهاريا..راسماً معادلة حيفا مقابل الضاحية،وبدلاً من أن يمكن الاحتلال من إعادة مستوطنية المهجرين على جبهة الشمال، يتضاعف اعداد المستوطنين المهجرين،وتزداد الخسائر الاقتصادية والعسكرية والسياسية،ناهيك عن الأزمات الاجتماعية والنفسية،وفقدان ثقة المجتمع الإسرائيلي،بقدرة الجيش على توفير الأمن والحماية لهم،أو إعادة المستوطنين المهجرين الى مستوطناتهم .
نائب الأمين العام لحزب الله قال بشكل واضح في إطلالته الثالثة، بأنه بعد توسيع الاحتلال لقصف المدنيين واستهداف شامل للبنان،بما في ذلك العاصمة بيروت،فقد اعلن انتقال الحزب الى مرحلة الدفاع الوطني عن كامل الأراضي اللبنانية،ومرحلة الإيلام الأشد للإحتلال،عبر العمليات النوعية سواء على الجبهة البرية ،او الإستهدافات والعمليات النوعية بالمسيرات والصواريخ في قاعدة” بنيامينا” في حيفا،واستهداف تل ابيب بصواريخ باليستية..وليعلن الحزب لاحقاً،ادخال صواريخ نصر 1 وقادر 2 الى الخدمة،والتي تصل مداياتها الى 100 كم و250كم ،وتمتاز بالدقة والقدرة على استهداف أهداف حيوية والقدرة على المناورة والتهرب من أنظمة الدفاع الجوي وأنظمتها المؤمنة من التشويش.
غالانت الذي يقول بأنه يرفض مفاوضات بعد وقف إطلاق النار،وبأن المفاوضات يجب ان تكون تحت النار،هذا الموقف تقف إلى جانبه أمريكا،معتقدة بأن الحزب سيرضخ لمثل هذا المطلب،ولكن رد الحزب على لسان نائب أمينه العام قال ،كما قال الأمين العام السابق نصر الله ،الأيام والليالي والميدان بيننا،ولذلك ستبقى الكلمة للميدان،ولبنان يقول بصوت موحد ، لا مفاوضات تحت النار،ولا بحث في الأليات وتطبيقات القرار 1701،ولا انتخابات رئاسية،إلا بعد وقف إطلاق النار.والكلمة للميدان،والحرب دخلت مرحلة كسر العظم وعض الأصابع .
الكاتب الصحفي راسم عبيدات