السّاعة التّاسعة من مساء ليلة من ليالي الله الباردة.
أتأمَّل النّاس في الشّارع تحت الغيم والقمر في صورة قاتمة.
بُنٌّ ثقيلٌ كظلّ الدّهر، يتصاعد بخاره راسمًا خيالاتٍ لأشباحٍ تتزاحمُ برؤوسها في محاولة لاستكشاف مسارات الطّريق إلى قلب المدينة، وهلالٌ يستندُ على سلسلةٍ منثورةٍ من النّجوم في صحن السّماء، يعيد تعريف المسافة بين قلبين، ويعيد صياغةَ الكلماتِ والألحانِ والألوان.
هواء كانون الثاّني يداعب وجهك المكشوف للعالم.
يحلّ باردا وغامضا كأنفاس الوداع في محطّات القطار!
المرء حيٌّ ما تلا الآيات آناء اللّيل وأطراف النّهار، وما لمعت عيناه، وما استطاع رفع رأسه وقول “لا” للدّهر…
الخلود الخلود، بالمفهوم المجازي عند إحداث تغيير ما في هذا العالم، وعيون أحدهم للأبد تقول لأوراقك المبعثرة:
كيف يعيش النّاس بلا أمل في الوصل أو الوصول؟!
كيف إذَن يستطيعون النّهوض صباحا، مغادرة الفراش، الخروج إلى العالم، والحياة، وبذل جهد، والتبسّم، والغناء، والبكاء؟!
أعني: حتّى الحزن بلا انتظار أو توقّع يبدو شيئا غير منطقي!
ترى بماذا يفكّر السّائرون بعد انتصاف اللّيل في (كانون) وحدهم في الشوارع؟!
وهل هم وحدهم فعلا؟!
يصاحب المرءُ اكتئابَه أحيانا… كتبتُ تلك الجملة مرّة، ولم أجد سياقا أضعها فيه.
أقول: في أوطان لم تعُد تشبه أهلَها، يحتلّها الظّلم والزّيف والصّلف والأقزام، قد يكون التمسّك بالورود، وبشواهد القبور، وكتابة الخطابات، وسماع ما يروق للأذن سماعه هو الأمل الوحيد الباقي للنّجاة.
قد يكون الحبلُ السُّرِّيُّ بينك وبين أمّك هو آخر مساحة حرّة في وطن أسير، وآخر طريقة ممكنة للمقاومة!
قرّرنا أنْ نستدير مجدّدا.
أما آن لك أن تستدير فنرى وجهك يا حنظلة، أيّها السّاخط الأبدي على ماضٍ وحاضر وواقع يأبى أنْ يتحرّك قيد أنملة.
د. غدير حميدان الزبون