تعيش غالية فى تلك القرية الصغيرة الساحرة التي تقع على ضفاف بحيرة قارون، وتحيط بها تلال هادئة ووديان خضراء تتماوج مع نسيم الهواء العليل، أشجار نخيل وأزهار برية تتفتح بألوان زاهية، تنبثق من التربة الخصبة التي تغذيها مياه البحيرة.
عندما تشرق الشمس على سطح البحيرة، تتحول مياهها إلى لوحة فنية عاكسة ألوان السماء الذهبية والوردية
تقضي أيامها في بيت مبنى من الطوب الطيني، كحال كل البيوت في القرية، وعلى الرغم من بساطة البيت، إلا أن ألوانه تتناسق مع الطبيعة من حولها بلونها الدافئ وتفاصيلها البسيطة؛ مشهد رائع يُجلب السعادة.
مع غروب الشمس، تجلس على حافة البحيرة مع لوحاتها، فهى تعشق الرسم وتعشق هذا المنظر الطبيعي، حيث تتلون السماء بألوان ساحرة، وتنعكس الأضواء على سطح البحيرة، لتصنع مشهدًا بديعًا كأنه رسم بيد فنانٍ قدير مرهف الحس واسع الخيال، فيبدأ هسيس الفنان بداخلها يحرك ريشتها و خيالها المبدع، فترسم وترسم وترسم، ولا يدري الناظر إليهما من يرسم الآخر، أهي الريشة تنثر ما يتفجر داخلها من يراكين مشاعر وفيضان أحاسيس؛ ألوانًا على ورقة بيضاء، أم أن غالية تنثر على الورقة ما خلب لبها واستحوذ على بصرها من طبيعة محيطة؟
غالية فتاة مدللة علاوة على جمالها وبشرتها الخمرية وشعرها الكحيل وخصلاته الغجرية، التي تضفى عليها جمال بنت الطمي، أصلها ريفي بسيط، كلما مرت السنين وشبت على قدميها تأججت أنوثتها، شبّت وصارت طالبة جامعية
فتاة تُشعّ أنوثة ونعومة، ابتسامتها دافئة، وعيناها تحملان بريقاً لافتاً يُعبر عن روحها الهادئة والواثقة، تمشي بخفة، وبخطوات هادئة، لا تستعجل ولا تتكلف، وكأنها تحمل معها سحراً خفياً يجذب الأنظار برقيّ، حديثها ناعم، كلماتها مختارة بعناية، وصوتها هادئ يتخلله دفء وإحساس عميق، يشعرك بصدق مشاعرها وحنان قلبها.
مظهرها طبيعي ومتناسق، تهتم بأدق تفاصيلها بدون مبالغة، وتحرص على إظهار جمالها بأسلوبٍ أنيق وراقٍ.
ملابسها تبرز ذوقها الرفيع؛ كفنانة فهي تعرف كيف تختار ما يعكس شخصيتها، ويحترم أنوثتها في الوقت نفسه.
بعد أن أنهت دراستها دخلت فى معترك الحياة العملية؛ عملت في إحدى الشركات الكبرى، تعيش حياة متوازنة من حيث العمل والعلاقات الاجتماعية، رغم أنها تظهر للآخرين أنها قوية ومستقلة، إلا أنها كانت تحمل في قلبها جرحًا عميقًا من علاقة سابقة؛ أُجبرت على تركها بسبب خيانة مؤلمة، عاشت سنوات بعد هذه الخيانة في حالة من العزلة العاطفية، وقررت أن تُكرس نفسها تكريسًا ممنهجًا يتوافق مع مستقبلها المهني.
تُرىُ ما هى الخيانة؟!
ومن هو الخائن؟
وكيف أن فتاة بمواصفات غالية يطاوع أحد قلبه أن يخونها ؟
كانت على موعد مع المهندس كريم لمناقشة رسم مشروع معماري..
كريم يبدو شخصًا مختلفًا تمامًا عن أي رجل قابلته من قبل؛ غامض، جذاب، يتمتع بجاذبية كانت سبباً في انجذابها له!
رغم كثرة محاولاتها تجاهل هذه الحالة الغامضة من تلك المشاعر الجديدة التى تجذبها نحوه، خوفًا من الوقوع في نفس الخطأ، تجد نفسها تنجذب إليه أكثر وأكثر وأكثر بشكل لا إرادي.
في نفس الوقت، وجد كريم نفسه؛ يكتشف شيئًا ما فيها، يجعله يسعى للتقرب منها أكثر، وبدأ بفتح قلبه لها تدريجيًا، مُلوحاً من وراء نظارته البيضاوية أنه يخفي شيئًا عن ماضيه.
يباغتها بكلمات مبعثرة، نبرات صوته تحمل إهتزازات ذات دلالة لجرح عميق في الماضي؛ ترك أثراً واضحاً عليه!
أردف :
- أتعرفين يا غالية ؟..الماضي لا يترك أحدًا يرحل عنه بسهولة،
كلماته رغم قلتها؛ أحدثت ضجة بداخلها؛ أدخلتها في صراع بين ما يخفيه كريم من جرح عميق، واضح أنه نتج إثر فشل علاقة سابقة، ما جعله غير قادر على فتح قلبه مرة أخرى، ورغبتها في فتح صفحة أحلام يقظة، تجمع كلاهما في علاقة متناغمة مع مشاعرهما الجديدة، بعيداً عن ضجيج الماضي وآلام الفشل أو تكراره.
كانت هذه آخر الكلمات التي طرحتها علىّ غالية كطبيبها النفسي المُعالج
- هل لك أن تجيب على تساؤلاتي؛
هل يمكن للإنسان أن يحب بصدق مرة أخرى بعد الخيانة؟
هل يمكن أن يفتح قلبه لشخص جديد دون أن يظل أسيرًا لماضيه؟
وكانت إجابتي على كل ما طرحته من أسئلة، والدموع تنساب من عينيها النجلاوتين - إنها الحياة …الحياة يا غالية.
الكاتبة أميرة عبدالعظيم